يفرح الربان بكل تكريم وحفاوة من ركاب السفينة؛ ولكن كلما ازداد تكريمه كلَّما تفاقم الخطر عليه . تضرب الأنواء السفينة فيخاف الربان، غالباً ما تهب علي السفينة الرياح ، وتتلاعب بها فتتقاذفها من كل جهة. الربان الممسك بالدفة ، المخلص في حبه للسفينة ؛ يشعر بالاضطراب والخوف. وفي الواقع تظهر حكمته وقت الخطر. ولكن ، يا ويله من العاصفة. وأحياناً كثيرة يسقط كل ذكاء بشري: أنيَّ اتجه تزمجر الأمواج، وتصفّر العاصفة ، وتتعب ايدي الملاحين من ضبط الاشرعة، ويذيب التعب والمشقة نفوسهم المنهكة، ولا يعودون يرون السفينة تحفظ توازنها ، بل يشعرون بأن جانبها ينكشف، والواحها تتفسخ، ولا يدرون كيف يخلصونها من التحطم، وكيف يبعدونها عن الارتطام بالصخور. فلنصل باستمرار من أجل الربان: ربما لست جالساً إلي دفتها؟ لكن ألست مسافراً في تلك السفينة ذاتها؟ يعتقد البعض أن الواقفين في المقدمة ملائكة لا يتأثرون بلا مبالاة يرونها في الاخرين؟ هم بشر أيضاً، وهل رئيسي تختلف جبلته عني؟ إن فكرت في جوهره وجدته إنساناً ايضا! وان اعتبرته ملاكا فلن يعفيني ذلك من المسؤولية. *** لا يغفر الله لي إلاّ إذا غفرت لمن أساء اليّ . ان ماء البحر يتسلل حتماً من ثقوب صغيرة فيها، حتى إذاً كَثُرت الثقوب فيها، وحتى اذا لم يكن فيها دلو غرقت السفينة. وعلى هذا النحو تدخل الخطيئة في حياتي ههنا، تتسرب مع أمواج هذا العالم، وتدخل من خلال شقوق ضعفي، وتنتهز طبيعتي الآيلة إلي الموت. عليّ ان الجأ الى دلو، افرغ به من قلبي الشرّ لئلا اغرق ، على ان أترك لمن يسئ اليّ ديونهم ، لكي يترك الله لي ديني. عليّ أن اكون فطناً لاني لا ازال في البحر ؛ ولا يكفي أن اقوم بهذا العمل مرة واحدة، بل عليّ أن اقوم به مراراً، إلي أن اجتاز أرض الوطن، حيث لا أمواج تضرب سفينتي، ولا يبقي علي أن اغفر إساءةً لأحد ، ولا أن اطلب الغفران عن خطايا لم اقترفها. عن “خواطر فيلسوف” للقديس اغسطينوس