ذهبت لمعرض الكتاب حيث وجدت كتب كتير، وقاعات عقدت بها ندوات اكتظت بالسامعين، محبين للقراءة والبحث ومتعطشين للمعرفة والتنوير. تلفتُّ هنا وهناك ولمحت شئ يشبه نور الفجر الباهت، او بالاحرى غروب شمس الاصيل. كانت اشعة خافتة وظل حزين، و لكنها كانت ومضات تكفي لان تثير في ذهني التفكير. او تعكس ما في روحي من سعي للمعرفة والتنوير. وعلى الارفف اكتظت اطنان الكتب في انتظار المشترين. كتب عن الدين وكتب تانية تزيد الملحدين، كتب روايات وقصص عاطفية للعاشقين، كتب غزل عفيف تكتفي بالاشارة، وكتب اخرى قبيحة فاضحة العبارة، كتب غثة واخرى تقدم لعقلك غذاء سمين، وتوجد ايضا كتابات اولئك المتعصبين، المنتفخين، المتحذلقون انصاف المجانين، ادعياء الدين، يجعلوا من الدين تجارة ليكسبوا الملايين. انتاجهم الادبي يثير الضحك ويسخر منه المثقفين. بعضهم ينادي بالحكمة وهو عبد للمال و للشر اسير، وبعضهم واقع فريسة لنوع من جنون خاص لكنه لا يضير، حتى انهم يدّعون ان في مقدورهم ان يستوعبوا العالمين، و يحلوا سر الوجود ويسبروا غور الخلود والسر الدفين. وانهم امكنهم احتواء مياه المحيط في فراغ دماغهم الضئيل. مكروا بدهاء والقوا شباكهم بتعاليم غريبة ليصيدوا انفس المساكين، ولكن في النهاية اطبقت الشباك عليهم انفسهم ليلقوا بئس المصير. واضحوا فريسة بينما خرجوا ليملأوا الدنيا علما يغطى كافة الميادين. انحدروا الى البوار، بينما يقف على ابوابهم جهال يبغون من علمهم المزيد. ذهبت الاموال التي اجتنوها كما اتت سرابا وهباء. نصائح دنيوية، مقولات كاذبة، طنت في اذان القراء و السامعين فترنحوا كترنح السكرانين ظننا ان تأثيرها سيتلاشى بعد جيل، ولكنها انتشرت في دوائر تتسع لتخرب النفوس لمئات والاف السنين وللاسف مازالت تتسع ولا نرى نهاية لتأثيرها المميت. وفي مجال النقد كم من معارك كلامية نشبت في لقاءات دامت لساعات، وكم من مقالات كتبت عن جهل اوحى به الحسد و الحقد المقيت. فالبعض شبّ على القسوة وصارت قلوبهم كالصوان، والبعض قلوبهم اشبه بالجندل يعترض مجرى النهر العظيم. ومن المروع ان نفحص السلسلة التي لا نهاية لحلقاتها، صاغتها المآسي في عالم موضوع في الشرير، انها سلسلة وهي حقا تثير في النفس جزع رهيب. وهل ندرك التبعات التي يسببها مقولة سيئة واحدة؟ مقولة ياخدها كثير من البسطاء المساكين كمثل غير معيب. ان الشر ليس بذرة واحدة تنتج ثمرة واحدة، او تخلف شجرة وحيدة تعيش وتموت بمفردها، ولكن توجد قوة شيطانية رهيبة في الشر اللعين، تحبل الخطية وتلد على التوالي في عملية تستديم، ولا نستطيع ان ندرك مدى شناعة الخطية، الا اذا نظرنا الى نتائجها وقوة اغرائها واعداد الهالكين. كلمة واحدة سممت دماء وحياة الملايين, والخطية ما زالت تلقي شباكها: يسارا والى اليمين.